"كشف الستار عن الفن القبطي".. معرض يكشف عظمة الحضارة القبطية
الاربعاء ١٩ يناير ٢٠١١ - ١٢: ٠٠ ص +01:00 CET
كتبت: ميرفت عياد - الاقباط المتحدون مع أولى خطواتي داخل قصر الأمير "طاز"، ذلك القصر الأثري الذي يحتضن بداخل إحدى قاعاته معرض "كشف الستار عن الفن القبطي"، والذي من المقرَّر أن ينتهي في نهاية الشهر الجاري- شعرت بحالة من الانبهار، حيث توجد (200) قطعة أثرية تم اختيارها من خزائن المتحف القبطي، والمتحف القومي، ومتحف "العريش"، و"بني سويف"، والمتحف اليونانى، والروماني؛ لتقدِّم لنا بانوراما جذابة ومبهرة للفن في العصر القبطي منذ بداية رحلة العائلة المقدسة إلى أرض "مصر"، والتي تمثِّل إحدى العناصر الجذابة للفنان القبطي، حيث رسمها في العديد من الأيقونات التي تمتطي فيها السيدة العذراء ظهر الحمار، حاملةً الطفل يسوع، ويسير بجوارها القديس "يوسف" النجار. كما توجد لوحة أخرى غير متعارف عليها كثيرًا، وهي للسيدة العذراء تمتطي ظهر الحمار، وبجانبها "يوسف" النجار يحمل الطفل يسوع على كتفه بدلاً منها، وهي صورة ذات مغزى روحي يوضِّح كم كانت العلاقة الطيبة بين السيدة العذراء و"يوسف" النجار، الذي كان يحاول أن يريحها بحمل الطفل بدلاً منها.
قصص الكتاب المقدس وقد استطاع الأقباط أن يكون لهم أسلوب متميِّز وفريد في الفن الذي تفوَّقوا فيه كثيرًا، الأمر الذي يظهر بوضوح في الأيقونات القبطية التي تستلهم موضوعاتها من قصة الميلاد، أو صلب السيد المسيح، أو من سير الشهداء والقديسين، أو من قصص الكتاب المقدس. ومن أجمل اللوحات الموجودة بالمعرض، أيقونة الصلب التي يظهر بها السيد المسيح معلقًا على خشبة الصليب، وبجانب الصليب تقف السيدة العذراء والقديس "يوحنا الحبيب" الذي رافقه حتى الصلب، والذي أوصاه برعاية السيدة العذراء، وعلى الجانب الأيمن من الصورة، يوجد صليب معلَّق عليه اللص الشمال، ويقف بجانبه أحد الحراس، ومكتوب فوقه "صلبوت سيدنا"، وعلى الجانب الأيسر من الصورة يوجد صليب معلَّق عليه اللص اليمين، ويقف بجانبه أحد الحراس، ومكتوب "اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك".
أيقونة فريدة لأحداث الصلبويضم المعرض، أيقونة فريدة تجمع العديد من الأحداث، وهي مقسَّمة إلى ثلاثة أجزاء طولية، حيث يوجد في الوسط السيد المسيح على الصليب، وعلى يمين الصليب يوجد مار "يوحنا الحبيب" يبكي، وعلى اليسار توجد السيدة العذراء ترتدي السواد في حالة من الحزن الشديد، وعلى يمين الصورة توجد أحداث الصلب المتمثلة في عدة لقطات؛ أولها نزول جسد السيد المسيح من على الصليب تمهيدًا لتكفينه، واللقطة الثانية ترسم جسد السيد المسيح ملفوفًا بالكتان أثناء وضعه فى القبر، واللقطة الثالثة تمثِّل قيامته من الأموات. أما الجانب الأيسر من الصورة، فيتكون أيضًا من ثلاث لقطات؛ أولها دخول السيد المسيح "أورشليم" ممتطيًا أتانًا وجحشًا بن أتان، وتفرش الجموع سعف النخيل على الأرض، وتصوّر اللقطة الثانية السيد المسيح وهو يغسل أرجل التلاميذ في محبة وتواضع ويقف التلاميذ في انتظار دورهم، أما اللقطة الثالثة فهي تصوّر العشاء الرباني الذي أسس فيه السيد المسيح سر الإفخارستيا.
سير الشهداء والقديسينوتشير بعض الأعمال الفنية الموجودة بالقصر إلى عصر الاستشهاد، وقصص الشهداء ودماءهم التي ارتوت بها الكنيسة منذ دخول المسيحية إلى أرض "مصر" على يد مار "مرقس الرسول"- كاروز الديار المصرية- وعند انتشارها بدأ الحكام الرومان يضطهدون المسيحيين، وخاصة "دقلديانوس" الملك الذي قتل أعدادًا هائلة من المسيحيين. ولذا أصبح عنصر الاستشهاد احدى العناصر الهامة التي استلهم منها الفنان القبطي عناصر أيقوناته، وظهر في أعماله الفنية. ومن هذه الأيقونات الموجودة في المعرض، والموضوعة على الباب؛ صورة القديس الشهيد "مار جرجس" التي يمتطي فيها جواده، ممسكًا بحربة موضوعة نهايتها في فم التنين الذي يرمز إلى الانتصار على الشيطان، ومكتوب على الصورة "يا إله مار جرجس".
الرهبنة وحياة الزهدوتأثر الفنان القبطي بنظام الرهبنة الذي تأسس على يد الأنبا "أنطونيوس" مؤسس نظام الرهبنة في العالم كله. وهو فكر مبني على تكريس الحياة لله والزهد في الأرضيات، والتطلع إلى السماويات؛ فرسم العديد من الأيقونات التي تصوِّر حياة النساك الأوائل، حيث تقدِّم لنا أطلال دير القديس "أبوللو" في "باويط"، ودير القديس "أرميا" بـ"سقارة" أمثلة جميلة للمهارات الفنية التي امتاز بها الفنانون الأقباط. كما أرَّخ المعرض لمجموعة من الأدوات الفخارية والنسيج، والتي توضِّح شكل الحياة اليومية التي كان يحياها الأقباط في القرون الأولى للمسيحية، وعرض عددًا من الأواني والأدوات الفخارية، وعددًا من الصلبان المتباينة الحجم.
المخطوطات القبطية ولأهمية المخطوطات؛ تم عرض بعض منها، مثل مخطوطة تحتوي على مسار العائلة المقدسة إلى "مصر" من خلال التراتيل القبطية والعربية، ومخطوطات "نجع حمادي" الشهيرة، التي تحتوي على الأناجيل والكتابات الغنوصية، والتي كان لها شأن عظيم في معرفة الغنوصية التي كانت آدابها مجهولة حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ومخطوطة كتبها القديس "باخوميوس"- أب الشركة- شارحًا فيها قوانين الرهبنة، ومخطوطة لإنجيل "مار مرقس" الرسول، يصوِّر فيها القديس "مرقس" وهو يعطى البشارة للقديس "بطرس"، وعلى الصفحة اليسرى من المخطوطة مكتوب "الإنجيل المجيد"، وسط زخارف تتشابه كثيرًا مع الزخارف الإسلامية، مما يؤكّد أن الفن القبطي قد تأثر بما قبله من حضارات فرعونية ويونانية، وتأثر أيضًا بما بعده من حضارة إسلامية