Fri, 23-09-2011 - 1:40 |
إيهاب الملاح موسوعة مساجد مصر
أعادت دار الكتب والوثائق القومية، برئاسة الدكتور محمد صابر عرب، طبع
وإصدار الموسوعة الفنية النادرة «مساجد مصر»، التي تتناول بالرصد والتوثيق
مساجد مصر الإسلامية، في ربوع المحروسة، وما ضمته من كنوز ونوادر أثرية
إسلامية لا مثيل لها في أنحاء العالم، من خلال مجموعة نادرة من الصور
الفوتوغرافية واللوحات المرسومة، بريشة كبار الفنانين من المستشرقين وعلماء
الآثار والمتخصصين في العمارة الإسلامية، تبرز التفاصيل الدقيقة للخطوط
والزخارف والمحاريب وغيرها من الجوانب الفنية والجمالية الخاصة بتلك
المساجد.
وتعود قصة هذا الكتاب النادر إلى أكثر من نصف القرن، عندما سعت وزارة
الأوقاف المصرية للقيام بعمل علمي كبير يخلد هذا التراث الحضاري الفريد،
ويوثق ويؤرخ لهذه الآثار النادرة، فقامت عام 1942م بتشكيل لجنة متخصصة على
أعلى مستوى لإخراج عمل علمي يكشف عن فنون العمارة في بناء مساجد مصر في
الحقب المختلفة، ويكشف، أيضًا، عما استخدم في بنائها من صناعات، وما ازدانت
به من زخارف، وذلك وفضلاً عما لعبته هذه المساجد من أدوار مهمة في تاريخ
مصر.
وقد قامت اللجنة بعملها على خير وجه، وأخرجت مجلدين كبيرين يحملان عنوان
«مساجد مصر» باللغة العربية عام 1948م، ومثلهما باللغة الإنجليزية عام
1949م.
ونظرًا للإقبال الشديد على اقتناء هذا الكتاب - الذي يعد وثيقة في غاية
الأهمية - ونفاد النسخ المتوفرة منه منذ سنوات بعيدة، أعادت دار الكتب
والوثائق القومية طباعته، بالتعاون مع كل من وزارة الأوقاف ومؤسسة المصري
لخدمة المجتمع ومؤسسة البيان، مساهمة منها في تقديم هذه الطبعة الفاخرة
للمهتمين بفنون الحضارة الإسلامية بصفة خاصة وعشاق الفن الجميل بصفة عامة.
إضاءة عن الكتابعرف المصريون فنون العمارة منذ فجر التاريخ، وقد استقر في وجدان المصري
القديم ذوق رفيع سجل ملامحه بعناية واقتدار شديدين على كل ما خلَّفه من
أشكال متنوعة للعمارة، التي ما تزال شاهدة على قدرة المصري على الابتكار
والتجديد وفق قواعد فنية اتسمت بالذوق والجمال.
ومنذ الفتح الإسلامي لمصر (20هـ- 640م) راح المصريون يقدمون كل معارفهم
المختلفة لكي يكون المسجد تعبيرًا عن الإسلام بمعناه الحضاري الكبير، لذا
راحت المساجد تشيّد وفق رؤية مصرية خالصة، لعل بدايتها كانت مع جامع عمرو
بن العاص، الذي كان بمثابة البدايات الأولى في التصميم والزخرفة، وإنشاء ما
يعرف باسم المحراب المجوف الذي أتقن المصريون إعداده، والمآذن التي راح
المصريون يطورونها وفق قواعد فنية رائعة، فضلاً عن أنهم أول من جعل المسجد
بمثابة مؤسسة اجتماعية وثقافية.
ثم راحت عمارة المساجد المصرية تتطور بتعاقب العصور الإسلامية، وكان
العصر المملوكي (648-923هـ/1250-1517م) بمثابة طفرة هائلة، والذروة في
الارتقاء بجماليات عمارة المساجد وأشكال العمارة الإسلامية المتنوعة، حينما
تنافس سلاطين المماليك على إنشاء المساجد والمدارس والأسبلة، والقصور
والوكالات، لذا جاءت عمارة المساجد تعبيرًا عن عصر من الذوق والرقي
والجمال، وبعد أن استقر فن عمارة المساجد الجامعة، راح المصريون يتنافسون
على وقف بعض ثرواتهم على بناء المساجد والعناية بها وتطوير وظيفتها، والتي
كانت دائمًا بمثابة صفحات مشرقة في تاريخ مصر.
وتجلت فنون العمارة الإسلامية بصورة واضحة لا تخطئها العين في الأبنية
الرائعة لمساجد مصر، التي لا تزال شاهدة على عظمة الفن الإسلامي، والذي
يتردد على المساجد الأثرية في مصر، وفي القاهرة بصفة خاصة، لا يملك معها
الرائي لتلك الكنوز نفسه من الانبهار بما تضمه من ثراء فني رائع.
وإذا كانت عدة جهات رسمية وغير رسمية تضافرت لإعادة إصدار هذا العمل
الكبير، وإخراجه بهذا المستوى الفني الرائع، فإن ذلك يعود إلى قيمة وأهمية
هذا العمل، وإبرازا لدور المسجد في حياة المصريين وقيمتها الروحية
والحضارية، فضلاً عن كونه دليلاً على عبقرية الإنسان المصري، الذي طبع
الإسلام بطابعه الحقيقي جمالاً وتسامحًا وإعمارًا