كتب الدكتور نبيل الخواجة
دأبت الحكومات المتعاقبة طوال حكم الرئيس السابق كما دأب هو على وجه الخصوص بمعايرة الشعب بكلمات مثل " هجيب لكم
منين" وبالسخرية " أنتم بتخلفوا وإنتوا بتزيدوا " وأننا بلد فقير ومحدود المواردمما تسبب فى تيئيس الشعب وإحساسه الدائم بأنه لا مستقبل لهذا الوطن ولاأمل لأى شاب فى بلده الفقير المدين داخليا وخارجيا وزاد الإحباط لدرجة هجرةالشباب فى مغامرات بحرية محفوفة بالمخاطرقد تنتهى بالموت لمجرد الهروب منبلده ، وساعد على ذلك الإعلام الحكومى والمستقل سواءا بقصد أو بدون قصدلدرجة أن أحد الإعلاميين البارزين - الذين لا نشك فى وطنبتهم - تساءل هلستعلن مصر إفلاسها؟
لكن بعد أن تكشف الفساد الذى إستشرى وظهرحجم الثرواتالمنهوبة وأصبح رقم المليار دولار من الأرقام العادية فى قاموس أثرياءالفساد حق لنا أن نتساءل هل مصر فقيرة فعلا ؟ هل مواردها فعلا محدودة؟وللإجابة على هذه الأسئلة المشروعة سأعرض لبعض العناوين الرئيسة التالية:
اولا: الطاقة الهيدروكربونية (البترول والغاز)
تم الأعلان عن تقرير أعدته هيئةالمساحة الجيولوجية الأمريكية عن نتائج دراستها لبرنامج شامل لحميعالكميات الممكن إستخراجها من جميع الحواض البحرية الهامة حول العالم وجاءتنتائج الدراسة تؤكد أن حوض دلتا نهر النيل والظهير البحرى لها من البحرالأبيض هى أكبر التقديرات على مستوى العالم، وجاء تقدير المخزون كالتالى:
إحتياطى البترول = 1,8 بليون برميل قابل للإستخراج
أحتياطىالغاز = 223 ترليون قدم مكعب
( للعلم كانت أحسن التقديرات التى أعلنهاالوزير السابق منذ سنتين 32 ترليون قدم مكعب وكان الكثير يشككون فى صحة هذاالرقم)
إحتياطى الغاز الطبيعى السائل = 6 بليون برميل
كما أشارت دراسة أخرى لنفس الجهة الى أن الإحتياطى القابل للإستخراج من البحر الأحمر كالتالى:
إحتياطى البترول = 5 بليون برميل
إحتياطى الغاز = 112 ترليون قدم مكعب
وللتأكد من هذه الأرقام يرجى الرجوع الى الرابط رقم 1 لكلا البحرين ورقم 2 لتفاصيل و الخريطة التوضيحية لمخزون البحر الأبيض
والسؤالهنا لماذا لم يعلن عن هذه الأرقام محليا للشعب؟ لقد سألت هذا السؤال لأحدالأصدقاء وأجاب بانه ربما تم تأجيل الإعلان من النظام السابق لحين موعدالتوريث ليكون داعما لحملة الوريث ، ويمكن أن يكون هذا تفسيرا صحيحا واللهأعلم
هذا وقد بدأت فعلا شركة برتش بتروليوم (ب ب ) بالعمل فى هذهالمنطقة بعد توقيع العقد مع وزارة البترول فى 19 يوليو 2010 وسيتم الإنتاجمن هذا المشروع الذى يهدف الى إستخراج 5 ترليون قدم مكعب بواقع بليون قدممكعب يوميا فى عام 2014 .
يرجى الرجوع الى الرابط رقم 3 وهو موقع شركة ( بب) لمعرفة المزيد حول هذا المشروع وكذلك الرابط رقم 4 الخاص بقناة الجزيرةحول نفس الموضوع
إن هذه الإكتشافات كما قال السيد تونى هيوارد رئيسشركة (ب ب) ستفتح المجال للإستفادة من إمكانيات حوض دلتا النيل التى ستلعبدورا هاما فى مواجهة تأمين إحتياجات الطاقة إقليميا لعقود طويلة مستقبلا
ثانيا: الطاقة الدائمة (الى يوم القيامة)
وهى الطاقة الشمسية، حيث يجرى الآنالإعداد لمشروع ضخم فى أوروبا لتوليد الطاقة الكهربائية فى مناطق محددة فىشمال أفريقيا ونقل هذه الكهرباء الى أوروبا عن طريق كوابل بحرية - يرجىالرجوع الى الرابط رقم 5 - لمعرفة تفاصيل المشروع والتى ملخصها أنه تمتكوين كونسرتيوم من شركات اوروبية تقودها الشركات الألمانية لعمل هذاالمشروع الذى سمى ديسر تك (أى تكنولوجيا الصحراء)
ويهدف المشروع الى توليدالكهرباء من الطاقات الطبيعية كمحطات الطاقة الشمسية ومزارع طواحين الرياحوستكون أول مرحلة هى ما يسمى بمشروع إيو مينا ( وهى إختصار للأحرف الأولىالإنجليزية لكلمات اوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا) وسوف يقام هذاالمشروع على مساحة 17 الف كم مربع وستكون حصة مصر من هذا المشروع 11 محطةطاقة شمسية بالإضافة الى محطة توليد رياح واحدة.
وسينفق على المشروع 400بليون يورو وسيستمر المشروع حتى عام 2050 كما سيتم عمل التصميم النهائىالذى سيشمل الأمور الفنية والإقتصادية عام 2012 وهنا نتساءل أين نحن من هذاالمشروع؟ لا بد من المسارعة فى التفاوض مع هذه الشركات ليكون لنا دورافاعلا فى إقامة المحطات التى على أرضنا والمحيطة بناحتى نستطيع إكتسابالخبرات الكافية لإنشاء محطات طاقة شمسية أخرى خاصة بنا إضافة الى محطاتهذا المشروع لعلنا نستعيض بمحطات الطاقة الشمسية عن مشروع الطاقة النوويةالذى أرى ومعى الكثيرون بأن سلبياته أكبر بكثير من إيجابياته،
إن
الكثير من الدراسات أوضحت أن مصر تقع فى حزام سطوع الشمس(أكثر من 300 يوم
فى السنة شمس ساطعة) والأولى لها أن تستفيد من هذه الميزة النسبية فى
توليد الكهرباء من الشمس بدلا من المحطات النووية والتى بدأت دولا كثيرة
فى أوروبا فى تقليص الإعتماد عليها والتحول الى الطاقة الشمسية (التى ليست
لديها) وذلك بعمل مشروع مثل ديسرتك هذا، خاصة بعد ما وقع فى اليابان من
تسرب الإشعاع من المحطة النووية التى تأثرت بالزلزال والتسونامى
ثالثا: البشر (طاقة غير ناضبة ومتزايدة) -
إنالبشر الذين عايرنا النظام السابق بكثرتهم هم نفسهمنقطة القوة التىنستطيع بها تحقيق نمو إقتصادى هائل، ولدى من واقع معرفتى المباشرة مثلينيثبتا إمكانية تحقيق نمو إقتصادى أولهما تجربة شركة إنبى التابعة لقطاعالبترول والتى بدأت فى نهاية السبعينيات كشركة صغيرة مشاركة بين الهيئةالمصرية العامة للبترول وشركة أمريكية للعمل فى مشروع من مشروعات الهيئةوكانت الشركة تسمى برون إيجيبت،
وعندما إنتهى المشروع قررت الشركةالأمريكية صاحبة الخبرة الإنسحاب من هذه الشراكة حيث ان اسعار البترول فىهذا الوقت أصبحت متدنية للغاية ووصلت الى أقل من عشر دولارارت للبرميل،بمعنى أن إقامة المشروعات فى هذا الوقت تباطأ كثيرا فوجدت أنه لا جدوى منالإستمرار فى مصر،
فأرسلت الهيئة أحد مديريها ليقوم بتصفية الشركة، ولكنهعندما أطلع على ما قامت به الشركة فى تنفيذ المشروع وما تحصل عليهالمهندسون المصريون من خبرة جديدة فى هذا المجال إقترح أن تستمر الشركةبإسم جديد وكان هو إسم إنبى وهو إختصار لشركة هندسة البترول والصناعاتالكيماوية (إختصار الحروف الإنجليزية المكافئة – أنظر الرابط رقم 7) وكانرأس مالها فى ذلك الوقت 350 الف جنيه (نصف مليون دولار بالسعر الرسمىللدولار فى ذلك الوقت وهو 70 قرشا) وكان الرجل وطنيا مخلصا ومحبا للعملوالإنجاز.
وأخذت الشركة فى الحصول على مشروعات صغيرة من شركات البترولالمصرية وعندما إلتحقت بها فى منتصف الثمانينيات كمسئولا عن دراسات الجدوىالفنية والإقتصادية كانت قد تطورت كثيرا حتى أصبحت تتعامل مع المشروعاتالكبيرة بنظام تسليم المفتاح وأصبحت الآن من كبار اللاعبين فى مجال الهندسةوالمقاولات على مستوى العالم حيث بلغت نتائج أعمالها فى آخر تقرير لها عنعام 2009 مبلغ ثلاثة مليارات وأربعة مائة وتسعون جنيها – أنظر الرابط رقم 7الخاص بالتقرير السنوى لشركة إنبى عن عام 2009- وحققت أرباحا بلغت 559مليون جنيه بعد خصم الضرائب وكانت ربحية الجنيه المستثمر فى البشر (عوائدالأرباح مقسومة على الرواتب) 2,4 جنيه لكل جنيه أى بنسبة 240% فى السنةوهومالا يحققه أى إستثمار مشروع بأى حال، ولكن هذه هى نتيجة الإستثمار فىالبشر الذين ينتجون الفكر والإبداع . و الآن وبعد إثنتين و ثلاثون عاما منإنشائها فإنها تقوم بإنشاء المشروعات بجميع أنواعها فى مصر وسورياوالإمارات والسعودية وقطر وعمان والأردن وفنزويلا وشمال أفريقيا و دول أخرىوأصبحت عملاقا فنيا وإقتصاديا يضارع كبار المقاولين العالميين كشركة بكتلوفوستر ويلر وآخرين.
والسؤال الآن لماذا لا يكون لدينا مائة شركة مثل إنبى؟لماذا لا نستثمر فى قطاع المقاولات - الذى يعتمد فى الأساس على البشر – وننتشر على مستوى العالم بتتبع المشروعات العالمية فى جميع مجالاتالمقاولات من تشييد و عقارات وطرق وكبارى وسكك حديد ومطارات وسدود وطاقةوكهرباء وتقديم أنسب الأسعار لنفوز بالعديد من هذه المناقصات لنحقق لمصرالمليارات من نتاج أبنائها بدلا من الإدعاء بأن الدولة تنفق على الدعممبالغ طائلة فى حين أنها ممكن أن تعظم وترشد إستخدام هذه الطاقة البشريةلتكون
مصدر دائم ومتزايد لجلب الثروات الى مصر.
المثال الثانى هو ماقامت به مجموعة من المصريين العاملين بالسعودية بالتقدم الى الحكومةالمصرية لتحقيق الإكتفاء الذاتى من القمح وعرضت على الحكومة تمويل المشروعبمبلغ ثلاثة مليارات جنيه، وقد إستمعت الى أحد القائمين على هذه الشركة وقدصرح بإمكانية تحقيق هذا الإكتفاء فى أقل من سنة من إستلام الأرض إستناداعلى أن محصول القمح ينتج خلال خمسة أشهر من بداية زراعته – أنظر الرابط رقم 8.
ونظرا لأن عدد العاملين بالخارج يبلغ ثمانية ملايين مصرى (أىأكثر من تعداد سويسرا وأكثر من تعداد الإمارات والكويت وقطر مجتمعين) ومعظمهم على درجة عالية من العلم والمعرفة وعلى قدر معقول من الدخولالمالية فإنهم يستطيعون تمويل العديد من المشروعات الحيوية لمصر وأقترح أنتكون ذات العوائد المرضية حتى تفيد فى تحقيق موارد عالية بالعملة الصعبةلمصروأفضل هذه المشروعات التى تتزامن مع إكتشافات البترول والغاز الجديدةهى مشروعات البتروكيماويات عالية التقنية التى تحقق أرباحا عالية مقارنة معغيرها من المشروعات الصناعية!
أما المثال الثالث الذى أتمنى أننحتذى به فهو ما فعلته كوريا فى حقبة السبعينيات حين دخلت سوق المقاولاتالعالمية بأرخص الأسعار فسحبت هذه المناقصات من الشركات الغربية، وقدساعدها على خفض تكاليفها أنها إستخدمت فترة التجنيد الإلزامى للجنود فى أنيعملوا فى المقاولات كعمال وفنيين طوال فترة تجنيدهم ، وقد كانوا يحضرونالى الكويت مثلا فى سفينة بها تموينهم وباصاتهم وعدد سرائر يكافئ ثلث عددهمحيث كانوا يقيمون فى السفينة ويعملون ثلاث ورديات وكانوا لاينفقون أى شيئفى البلد الذى يقيمون فيه المشروع وعلى هذا قامت كوريا كعملاق إقتصادى علىكتف صناعة المقاولات. ونحن حاليا لدينا مشكلة كبيرة فى تسريح جنود الأمنالمركزى الى بلغ عددهم حوالى مليون وربع مجند : فلماذا لا ينتفع بهم الوطنفى مجال المقاولات كما فعلت كوريا سابقا؟ (الرقم ده اتكدب اكتر من مرة)
وكتعليق أخير على موضوعالمقاولات فإنه لدينا فرصة كبيرة لإستثمار هذه الإمكانية فى مشروعات إنشاءمحطات الطاقة الشمسية لمشروع ديسرتك، وعلى الرغم أن المغرب قد سبقتنا فىالإلتحاق بهذا المشروع – أنظر الرابط رقم 6 - (ولا أدرى لماذا تأخرنا عنها) فإن لدينا إمكانيات كبيرة فى قطاع المقاولات ونستطيع إذا التحقنا بهذاالمشروع العملاق أن نكتسب الخبرة الإضافية الخاصة بتكنولوجيا الطاقةالشمسية بحيث يكون لنا دور فى إقامة هذه المحطات فى مصر وفى باقى الدولالمزمع دخولها فى المشروع وأستطيع الجزم من الأن بأنه خلال عشر سنوات منالأن نكون قد إستحوزنا على تقنيات إنشاء محطات طاقة شمسية كاملة - كما فعلتإنبى فى قطاع البترول- وهذا يعود بالدخل العظيم على مصر
.
لن أتحدثهنا عن السياحة والمناخ الرائع وسهولة التضاريس والبعد عن مناطق الكوارثالطبيعية وعبقرية الجغرافيا والمكان فقد تكلم عنها الكثيرون ولكنى أردت أنأعرض فقط لما لم يتكلم عنه أحد لإلقاء الضوء عليه وليعلم الشعب ما لديه منثروات طبيعية هائلة ليتكون لديه الأمل فى مستقبل أفضل له ولأولاده وأحفادهإن شاء الله
.
هل
نستطيع بعد هذا العرض البسيط أن ندعى أن مصر بلد فقير محدود الموارد؟وصدق
المثل القديم القائل أن "الفقر ليس فى قلة المال ولكن الفقر فى قلة
الحيلة”